كان شتاء ديسمبر شديد البرودةِ كعادتُه خاصة في الصباحِ الباكرِ، وفي جوفِ الليلِ، لكن مع إنتصافُ النهار تبدأ الشمسُ في فرضِ سطوتها علي صفحةِ السماء، وإرسال اشعتها الذهبيةَ إلي الأرضِ لتبث فيها الدفء، وتطرُد البردَ الذي يتوعدها بالانتقامِ السريع مع حلول الليل.
كنت في طريقي إلي محطة المترو عندما رأيت الغيوم الرمادية تملأ السماء وتسلبها اللون الأزرق الذي اختفي تماماً ليحل محله اللون الرمادي، تمنيّت أن يتأخر هطول الأمطار حتي نعود.
ربما سقوط الأمطار أثناء سير حبيبين من الأُمنيات التي يتمناها أي عشيقين في أوربا، فالمطر والبرودة يُثيران في النفس مشاعرُ الحب والألفة، والقبلةُ تحت المطرِ لها مذاق مختلف.
لكن الوضع هُنا مُختلف تماماً، فسقوط الأمطار يعني ان تمتلئ الطُرق ببرك من المياه القذرة، ويصبح السير في الطريق مُعاناة شديدة، لذا دعوت الله في سري ألا تسقط الأمطار حتي يعود كل منا إلي منزله في سلام، ثم بعد ذلك تسقط أو لا تسقط لها مطلق الحرية.
ربما سقوط الأمطار أثناء سير حبيبين من الأُمنيات التي يتمناها أي عشيقين في أوربا، فالمطر والبرودة يُثيران في النفس مشاعرُ الحب والألفة، والقبلةُ تحت المطرِ لها مذاق مختلف.
لكن الوضع هُنا مُختلف تماماً، فسقوط الأمطار يعني ان تمتلئ الطُرق ببرك من المياه القذرة، ويصبح السير في الطريق مُعاناة شديدة، لذا دعوت الله في سري ألا تسقط الأمطار حتي يعود كل منا إلي منزله في سلام، ثم بعد ذلك تسقط أو لا تسقط لها مطلق الحرية.
جلست علي مقعد في منتصف رصيف المترو لانتظار قدومها، كانت الساعة البيضاء الدائرية المعلقة علي الرصيف تشير إلي الواحدة والربع ظهراً بالضبط، وقد كان الاتفاق ان نتقابل في تمام الواحدة، وكعادتها لم تأتِ في الموعد
لا اعرف هل عدم إحترام المواعيد خِصلة ابتليّ الله بها بنات حواءِ جميعهم، ام انه حظي العثرِ الذي لم يُقدر لي ان اُقابل اي انثي تحترم مواعيدها، ولا تتأخر؟!.
لا اعرف هل عدم إحترام المواعيد خِصلة ابتليّ الله بها بنات حواءِ جميعهم، ام انه حظي العثرِ الذي لم يُقدر لي ان اُقابل اي انثي تحترم مواعيدها، ولا تتأخر؟!.
اخرجتُ الهاتف لاتصل بها.
-اين انتِ؟
-صباح الخير أولاً!
-الساعة الواحدة والربع بعد منتصف الظهر اي صباح تعنين؟
-حسناً، انا في الطريق انتظر قليلاً.
اغلقت الهاتف وانا احترقُ غيظًا وغضبًا، كُرهي للإنتظار اكثر من تقديسي المواعيد، اكره ان انتظر أي شيء، ربما ذلك من ضمن عيوبي، يدفعني ذلك الكُره للإنتظار إلي العجلة التي تكون نتائجها سلبية في اكثر الأحيان.
عقدت العزم ان انفجر فيها صارخاً عندما أراها وليكن ما يكن، فليست المرة الأولي التي تجعلني انتظر كهذا، الاسبوع قبل الماضي انتظرت أكثر من ساعة، وعندما اتت لم تتوقف عن سرد الأعذار الغير مُقنعة، وكُنا علي وشك التشاجر، لكنها امتصت غضبي وتأسفت وقطعت علي نفسها العهود ان ذلك لن يتكرر مجددًا.
عقدت العزم ان انفجر فيها صارخاً عندما أراها وليكن ما يكن، فليست المرة الأولي التي تجعلني انتظر كهذا، الاسبوع قبل الماضي انتظرت أكثر من ساعة، وعندما اتت لم تتوقف عن سرد الأعذار الغير مُقنعة، وكُنا علي وشك التشاجر، لكنها امتصت غضبي وتأسفت وقطعت علي نفسها العهود ان ذلك لن يتكرر مجددًا.
لا تُجيد شيئًا اكثر من الاسف، لا اعرف هل تعني حقًا الأسف ام انها مُجرد كلِمة تستخدمه لتنهي الشجار.
اليوم لن التفت لأسفها ولن اسمع لما ستسوقه من اعذارٍ وتبريرات، ولن القي بالا لأسفها، سأوبخها اشد توبيخ، ولنتشاجر و ليحدث ما يحدث، الأمرُ اصبح لا يُطاق.
لم تمر أكثر من عشر دقائق حتي رأيتها تهل، ما إن تلاقت عينانا حتي اشرق وجهها بابتسامة عذبة بددت كل شحنات الغضب التي كانت تملئ دمي مُنذ ثواني، اسكرتني إبتسامتها حتي نسيت كل شئ، ووجدت نفسي ابادلها الابتسام.
عندما تتبتسم تبدو كطفلة صغيرة، تشع عيناها بالبراءة، وتحمرُ وجنتيها، وتنفرج شفتيها الشهيتين عن أسنان صغيرة مُنسقة ناصعة البيضاء، واتوه انا بين هاتين الشفتين وتلك النظرة البريئة، وتلك الابتسامة العذبة، انسي كل شئ، غضبي وهمومي، ضيقي وضجري، اولد من جديد في كل مرة اري فيها تلك الابتسامة، اولد طفلاً صغير خالي من الهموم، لا يشغل باله شاغل، ولا ينغص تفكيره مُنغص.
نهضت من مقعدي ومازلت الابتسامة مرسومة علي شفتي واتجهت نحوها.
قلت متهكما:
-أهلاً يا هانم، ما بدري.
قالت بعد ان ضحكت ضحكة مقتضبة:
-بدري من عمرك، لقد تأخرت لأن......
اوقفتها بإشارة من يدي.
-لا أريد أن أعرف، حسبنا انك اتيتي، دعينا نذهب قبل ان يهطل المطر.
قلت لنفسي ما الجدوي من معرفة أسباب التأخير، التي هي في العادة أسباب واهيّة، غير مقنعة، تثيرني اكثر من التأخير نفسه، ونبدأ الشجار، قلت لعل التأخر عن المواعيد هو عيبٌ من ضَمنِ عيوبها، ومن له الكمال؟ فالكل له العديد من العيوب، سأحب عيوبها كما احب المميزات، لا داعي للشجار.
مددت يدي وقبضت علي يدها الصغيرة البضة، التي استكانت في يديّ بسلام، وبدا انها تستمد الدفء منها، خرجنا من المترو، وقد كانت الشمس صرعت البرد والسحاب واحتلت صفحة السماء من جديد, وأرسلت اشعتها الذهبية إلي الأرض لثبت فيها الدفء.
همست في أذنها وانا اضغط علي يدها:
-احبك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق