انهيت
عامي الأخير في الجامعة, وهأنا اجلس في قطار الدرجة الأولي المُتجه إلي
بلدتي في شمال مصر, ربما تكن تلك المرة الأخيرة التي استقل فيها القطار
بمفردي.
تجلس بجواري أمرأة مُسنة, رسم الزمن علاماته في وجهها, لكن ذلك لا يُخفي انها كانت فاتنة في يومِ من الأيام, تبدو أرملة, فهي مُتشحة بالسواد من اعليّ رأسها حتي اسفل قدميها, لم أري بها رغبة للحديث, او توجيه النصائح, كعادت السيدات في مثل سنها, حمدت الله علي ذلك, فلم يكن لي رغبة للحديث علي الإطلاق.
نظرت من الشباك المجاور, متأملة تلك المناظر التي أصبحت محفوظة بالنسبة لي, علي مدار اربع سنوات من السفر ذهابًا وايابًا علي نفس الطريق, حقول خضراء تبدو لي كلها شئ من اثنين إما برسيم او ارز, فلم اتعرف طوال تلك السنين من السفر علي شئ غير ذلك, عادا بضع شجرات من البُرتقال رأيتها ذات مرة, وادهشني رؤيتها بين حقول البرسيم, ربما هناك العديد من المحاصيل الأخري, لكني نشأت في المدينة فلم تتح لي الفرصة للتميز بين المحاصيل المختلفة, تمتدد تلك الحقول علي طول الأفق لا يقطها غير شريط السكة الحديد, وإلي جواره طريقُ مُمهد للسيارات.
سأمت من تأمل الطريق, فالمنظر مكرر رغم جماله, لكنه اصبح يصيبني بالملل, بدأت في استرجاع احداث ذلك اليوم, فقد كان آخر يوم لي بالجامعة.
كان اليوم مليئًا بالدموع, لقد ودعت زملائي, وكلٌ منا علي يقين بأننا ربما لن نري بعض مجددًا, فكلُ منا يفصله عن الآخر مئات من الكليومترات, وحتي من يسكن في مدن مجاوره , ستشغله الدنيا عن تذكر صديقاته.
رغم تلك العهود التي تعهدناها بأننا سنبقي علي إتصال, وسنتقابل شهريًا, وربما أسبوعيًا, لكن كلُ منا كان علي يقين بأن هذا اللقاء هو الأخير.
جلسنا في فناء الكلية, وبدأنا في اجترار الذكريات, تذكرنا اشياء تبدو تافهة لكنها كانت تعني الكثير لنا, تذكرنا أيامنا الأولي في الجامعة, وإنطبعاتنا في البداية, التي كانت غالبًا سلبية, التي تغيرت كثيرًا عندما توطدت العلاقة بيننا, واصبحنا أسرة واحدة.
لم اهتم كثيرًا بحديث الذكريات هذا, فقد كان مُملًا بالنسبة لي, او قد كان بالي مشغولًا به, لقد كنت علي يقين بأنه لن يرحل بدون ان يودعني, لكني تظاهرت بأني غير مُهتمة بذلك, لكن عيني كانت تمسح ارجاء الفناء باحثة عنه, او عن احد زملائه.
رأيته اخيرًا, يبدو سعيدًا اليوم, الجميع سُعداء برغم ذلك القناع المزيف من الحزن لإفتقاد الأصدقاء, لكن الكل سعيد, فكل منا سيشرع في وضع حجر الأساس لحياته, كل فرد سيسعي لتحقيق طموحاته.
فهناك من سيبحث عن فرصة للسفر, ومن سيقنع بالعمل في بلده, ومن سيتقدم لخطبة حبيبته...
تجلس بجواري أمرأة مُسنة, رسم الزمن علاماته في وجهها, لكن ذلك لا يُخفي انها كانت فاتنة في يومِ من الأيام, تبدو أرملة, فهي مُتشحة بالسواد من اعليّ رأسها حتي اسفل قدميها, لم أري بها رغبة للحديث, او توجيه النصائح, كعادت السيدات في مثل سنها, حمدت الله علي ذلك, فلم يكن لي رغبة للحديث علي الإطلاق.
نظرت من الشباك المجاور, متأملة تلك المناظر التي أصبحت محفوظة بالنسبة لي, علي مدار اربع سنوات من السفر ذهابًا وايابًا علي نفس الطريق, حقول خضراء تبدو لي كلها شئ من اثنين إما برسيم او ارز, فلم اتعرف طوال تلك السنين من السفر علي شئ غير ذلك, عادا بضع شجرات من البُرتقال رأيتها ذات مرة, وادهشني رؤيتها بين حقول البرسيم, ربما هناك العديد من المحاصيل الأخري, لكني نشأت في المدينة فلم تتح لي الفرصة للتميز بين المحاصيل المختلفة, تمتدد تلك الحقول علي طول الأفق لا يقطها غير شريط السكة الحديد, وإلي جواره طريقُ مُمهد للسيارات.
سأمت من تأمل الطريق, فالمنظر مكرر رغم جماله, لكنه اصبح يصيبني بالملل, بدأت في استرجاع احداث ذلك اليوم, فقد كان آخر يوم لي بالجامعة.
كان اليوم مليئًا بالدموع, لقد ودعت زملائي, وكلٌ منا علي يقين بأننا ربما لن نري بعض مجددًا, فكلُ منا يفصله عن الآخر مئات من الكليومترات, وحتي من يسكن في مدن مجاوره , ستشغله الدنيا عن تذكر صديقاته.
رغم تلك العهود التي تعهدناها بأننا سنبقي علي إتصال, وسنتقابل شهريًا, وربما أسبوعيًا, لكن كلُ منا كان علي يقين بأن هذا اللقاء هو الأخير.
جلسنا في فناء الكلية, وبدأنا في اجترار الذكريات, تذكرنا اشياء تبدو تافهة لكنها كانت تعني الكثير لنا, تذكرنا أيامنا الأولي في الجامعة, وإنطبعاتنا في البداية, التي كانت غالبًا سلبية, التي تغيرت كثيرًا عندما توطدت العلاقة بيننا, واصبحنا أسرة واحدة.
لم اهتم كثيرًا بحديث الذكريات هذا, فقد كان مُملًا بالنسبة لي, او قد كان بالي مشغولًا به, لقد كنت علي يقين بأنه لن يرحل بدون ان يودعني, لكني تظاهرت بأني غير مُهتمة بذلك, لكن عيني كانت تمسح ارجاء الفناء باحثة عنه, او عن احد زملائه.
رأيته اخيرًا, يبدو سعيدًا اليوم, الجميع سُعداء برغم ذلك القناع المزيف من الحزن لإفتقاد الأصدقاء, لكن الكل سعيد, فكل منا سيشرع في وضع حجر الأساس لحياته, كل فرد سيسعي لتحقيق طموحاته.
فهناك من سيبحث عن فرصة للسفر, ومن سيقنع بالعمل في بلده, ومن سيتقدم لخطبة حبيبته...
آه! خِطبة حبيبته, هل سيتقدم هو لخِطبة حبيبته؟ كم تمنيت لو كنتُ مازلت حبيبته..
هل يمكن إعادة عقارب الساعة للخلف؟ لم لا فلم يمضي علي ذلك سوي شهرين, ولم تكن المرة الأولي, نعم في المرات السابقة كان الفراق لا يدوم اكثر من اسبوع, كم اشتقت إليه!
طافت بذهني العديد من الذكريات وانا واقفة مع زملائي اودعهم, ايقظني من شرودي نظرتهُ إليّ, تلاقت عينانا, ابتسم لي إبتسامة ملئية بالحيوية, حاولت ان اقاوم الإبتسام, لكن إبتسامة شاحبة افلتت مني بدون إرادة.
لا اعرف هل لاحظت زميلاتي نظراتنا ام لا, لكنهم انفضوا سريعًا, مع مزيدًا من احضان وقُبلات الوداع.
كان هو بدوره ينتظر تلك اللحظة حتي يودعني او ربُما ظننت ذلك, لكنه ترك زملائه وجاء نحوي علي اي حال..
كان يبدو مُختلفًا اليوم, لا أعرف لماذا, كان يرتدي قميصًا ابيض اللون بأكمام, وبنطال اسود.
توقعت انه سيدعوني لقضاء اليوم سويًا, ويطلب مني ان نعود مُجددًا, ثم يطلب ان اُحدد موعد مع والدي لكي يتقدم لخطبتي, او هكذا تمنيت...
لكن شئ من ذلك لم يحدث, تقدم إلي في مرح, لكني لم اجد في عينيه ذلك الشوق الذي كان يلمع عندما كان يراني, صافحني, وتمني لي التوفيق في مُستقبلي ثم انصرف, انصرفي إلي اصدقائه ولم ينظر خلفه, صافحهم ثم خرج من باب الجامعة...
لم افق من الصدمة حتي رأيته غادر فعليًا ظننتها مُزحة, وسيأتي مُجددًا, ويطلب مني الخروج بصحبته فأتمنع, فيتوسل إلي, فأتمنع, وأتظاهر بالرفض, ثم اوافق علي مضض, فنخرج سويًا, ويعود كل شئ كما كان, لكنه غادر
لحظتها ادركت ان كل شئ انتهي...
لكن لماذا؟ لم تكن المرة الأولي التي افتعل فيها شجارًا, وادعي اني لم احُبه قط, ولا اريد سماع صوته مُجددًا, وكُنا نتوقف عن الكلام يوم او يومين, ثم أجده يتصل, او يقابلني في الجامعة, ويعود كل شئ كما كان, لقد اتصل هو في تلك المرة ايضًا, لكني رأيت في نبرة صوته رغبة في وضع حد لذلك, ووافقني سريعًا بدون تردد عندما قلت له دعنا مجرد اصدقاء,
لماذا في تلك المرة وافقني الرأي في ذلك, لماذا لما يُحاول ان يقنعني بأنه لا يستطيع ان يراني لرجلٌ غيره, اين تلك الأشعار التي كان ينظُمها في كيفية ان يومه لا بكتمل بدوني؟,
الم يعدني بأنه لن يتركني ابدًا حتي لو كانت تلك رغبتي؟ هل كان ذلك مُجرد كلام؟
لكنه قال لي ذات يوم, بأني اقوم بإستنفاذ طاقته, وإن سرت علي ذلك المنوال, لن يكن لديه قدره علي الإستمرار, وسينتهي كل شئ, لم ادرك وقتها بأنه كان جاد في قوله, ظننته يقول ذلك لمجرد إخافتي, فقد كنت علي يقين انه لن يتركني ابدًا, مهما فعلت سيظلً بجواري, لكني ادركت خطأي بعد فوات الآوان.
اخرجني من دوامة تسألتي, شخير السيدة التي تجلس بجواري, الذي ارتفع فجأة, فلقد سقطت رأسها علي صدرها, وذهبت في سُباتِ عميق, نظرت حولي فرأيت معظم الركاب نيامًا, ارجعت رأسي للخلف مُستندة إلي زجاج الشباك بجواري, ولم اشعر بنفسي إلي والسيدة العجوز تحاول إيقاظي برفق, سألتني مُبتسمة عن محطتي, وقد اتضح انها المحطة التالية, شكرت لها جميل صنعها, اخذت حقيبتي مُستعدة للنزول.
ومع خروجي من ذلك القطار, عادت تلك الأسئلة إلي رأسي باحثة عن إجابة...
هل يمكن إعادة عقارب الساعة للخلف؟ لم لا فلم يمضي علي ذلك سوي شهرين, ولم تكن المرة الأولي, نعم في المرات السابقة كان الفراق لا يدوم اكثر من اسبوع, كم اشتقت إليه!
طافت بذهني العديد من الذكريات وانا واقفة مع زملائي اودعهم, ايقظني من شرودي نظرتهُ إليّ, تلاقت عينانا, ابتسم لي إبتسامة ملئية بالحيوية, حاولت ان اقاوم الإبتسام, لكن إبتسامة شاحبة افلتت مني بدون إرادة.
لا اعرف هل لاحظت زميلاتي نظراتنا ام لا, لكنهم انفضوا سريعًا, مع مزيدًا من احضان وقُبلات الوداع.
كان هو بدوره ينتظر تلك اللحظة حتي يودعني او ربُما ظننت ذلك, لكنه ترك زملائه وجاء نحوي علي اي حال..
كان يبدو مُختلفًا اليوم, لا أعرف لماذا, كان يرتدي قميصًا ابيض اللون بأكمام, وبنطال اسود.
توقعت انه سيدعوني لقضاء اليوم سويًا, ويطلب مني ان نعود مُجددًا, ثم يطلب ان اُحدد موعد مع والدي لكي يتقدم لخطبتي, او هكذا تمنيت...
لكن شئ من ذلك لم يحدث, تقدم إلي في مرح, لكني لم اجد في عينيه ذلك الشوق الذي كان يلمع عندما كان يراني, صافحني, وتمني لي التوفيق في مُستقبلي ثم انصرف, انصرفي إلي اصدقائه ولم ينظر خلفه, صافحهم ثم خرج من باب الجامعة...
لم افق من الصدمة حتي رأيته غادر فعليًا ظننتها مُزحة, وسيأتي مُجددًا, ويطلب مني الخروج بصحبته فأتمنع, فيتوسل إلي, فأتمنع, وأتظاهر بالرفض, ثم اوافق علي مضض, فنخرج سويًا, ويعود كل شئ كما كان, لكنه غادر
لحظتها ادركت ان كل شئ انتهي...
لكن لماذا؟ لم تكن المرة الأولي التي افتعل فيها شجارًا, وادعي اني لم احُبه قط, ولا اريد سماع صوته مُجددًا, وكُنا نتوقف عن الكلام يوم او يومين, ثم أجده يتصل, او يقابلني في الجامعة, ويعود كل شئ كما كان, لقد اتصل هو في تلك المرة ايضًا, لكني رأيت في نبرة صوته رغبة في وضع حد لذلك, ووافقني سريعًا بدون تردد عندما قلت له دعنا مجرد اصدقاء,
لماذا في تلك المرة وافقني الرأي في ذلك, لماذا لما يُحاول ان يقنعني بأنه لا يستطيع ان يراني لرجلٌ غيره, اين تلك الأشعار التي كان ينظُمها في كيفية ان يومه لا بكتمل بدوني؟,
الم يعدني بأنه لن يتركني ابدًا حتي لو كانت تلك رغبتي؟ هل كان ذلك مُجرد كلام؟
لكنه قال لي ذات يوم, بأني اقوم بإستنفاذ طاقته, وإن سرت علي ذلك المنوال, لن يكن لديه قدره علي الإستمرار, وسينتهي كل شئ, لم ادرك وقتها بأنه كان جاد في قوله, ظننته يقول ذلك لمجرد إخافتي, فقد كنت علي يقين انه لن يتركني ابدًا, مهما فعلت سيظلً بجواري, لكني ادركت خطأي بعد فوات الآوان.
اخرجني من دوامة تسألتي, شخير السيدة التي تجلس بجواري, الذي ارتفع فجأة, فلقد سقطت رأسها علي صدرها, وذهبت في سُباتِ عميق, نظرت حولي فرأيت معظم الركاب نيامًا, ارجعت رأسي للخلف مُستندة إلي زجاج الشباك بجواري, ولم اشعر بنفسي إلي والسيدة العجوز تحاول إيقاظي برفق, سألتني مُبتسمة عن محطتي, وقد اتضح انها المحطة التالية, شكرت لها جميل صنعها, اخذت حقيبتي مُستعدة للنزول.
ومع خروجي من ذلك القطار, عادت تلك الأسئلة إلي رأسي باحثة عن إجابة...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق