افتقدك

كنت اجلس امام شقة, بدت ان بها "كورس" كنت اجلس علي إحدي درجات السلم في مواجهة تلك الشقة, كنت اجلس وحدي في صمت.
 وجدتها قادمة، كانت ترتدي بلوزة بلون السماء وجينز اسود, نظرت في عينيها رأيت فيهما نظرت حزن او خُيل لي ذلك.
 رأتني فأقبلت نحوي, لم تحيني ولم تسلم، قالت شئ ما بإنفعال لكني لم اسمعه من اول مرة، قلت لها "سلمي اولا" وابتسمت.
 ضحكت بعصبية ومدت يدها، نهضت من جلستي تلك، اطبقت علي يديها كنت علي وشك ان اقول "افتقدتك" لكنني تذكرت اننا انفصلنا من أسابيع مضت، وكل شئ انتهي فلذت بالصمت.
 سحبت يدها بلطف وكررت ما كانت تقوله قالت "اريدك انت تأتي معي يوم الجمعة إلي السوق، أريد شراء بعض اﻷشياء للعيد" في البداية فرحت أن أذهب إلى اي مكان بصحبتها فأنا مازالت احبها رغم كل ما حدث. صمت لبرهة وتأملتها لاحظت انها كانت اطول مني، اندهشت من ذلك فأن علي يقين انني اطول منها, لكني لم اعلق.
 كررت طلبها مرة اخري مضيفة "لا يوجد احد يذهب معي" اثارت الجملة الأخيرة حنقي وانفعالي, بد لي كأنها تريد ان تقول "اريد ان اصطحب اي شخص, ولا يوجد غيرك"
 انفجرت فيها ذكرتها بكل ما قالت سابقا بأن علاقتنا ستصبح سطحية لأقصي درجة سنتعامل كزملاء دراسة ليس إلا، قالت بشئ من البرود "نعم، سنعود كما كنا زملاء بعلاقة سطحية كما قلت تمامًا بعد ان تذهب معي" شعرت في ذلك الوقت بكفها تتحس الشعر في اعلي ذراعي. قلت لها "لا" اندهشت من رفضي، اضفت "ان لست موجود تحت اوامرك، لن اذهب معك" فجأة بدي كأن موعد ذلك "الكورس" قد حان اسرعت للدخول كانت هي قد تركت حقيبتها في الداخل معلقة علي احد الكراسي، نزعتها من عليه وجلست علي كرسي اخر، جلست بجوارها، وفجأة اختفت هي وكأنما عدت إلي المرحلة الثانوية, ووجدت نفسي في حصة فيزياء وقد اتيت متأخرًا وفاتني العديد من الدروس.
استيقظت فجأة علي عراك يبدو انه احتد بين  نظرت إلي هاتفي بعين منفرجة نصف إنفراجة والاخري منغلقة، كانت الساعة تقارب الحادية عشر، وجدت عدة رسائل علي الهاتف لكن النوم منعني من ان اتفقدها، اغلقته وحاولت ان انام مرة اخري لكن النوم ابي ان يقبل عودتي. امسكت الهاتف مجددًا وجدت أن إحدي الرسائل منها، إعتدلت فجلستي وقد اعتلت الدهشة وجهي، فقد مضي عدت أسابيع منذ إنتهينا ولم تحاول هي التواصل مجدداً ولم أحاول انا أيضاً ثم تذكرت ذلك الحلم فتخيلت أنه حقيقة وانها تريدني ان اذهب معها. فتحت الرسالة بسرعة فكانت رسالة عادية تتمني لي ان اكون بخير وان اطمئنها على اخباري. فكرت ان اتجاهلها والا ارد لكنني رأيته انه من غير اللائق أن افعل ذلك، إنتهاء علاقتنا لا يعني اننا اصبحنا أعداء، قررت ان اؤجل الرد فقط.
نهضت من الفراش وذهبت إلي دورة المياه غسلت وجهي، نظرت في المرآة المعلقة في الحائط فوق الحوض, كانت ذقني قد نمت زيادة عن الحد ويجب حلاقتها، قلت لنفسي ربما حلقتها في المساء.
 خرجت من دورة المياه, انحرفت متجهًا إلي الطرقة الموصلة للمطبخ، فتحت الثلاجة بحثاً عن طعام، لكني وجدت ان لا رغبة لي في تناول اي شئ الآن، اخذت زجاجة ماء شربت ثم وضعتها علي الطاولة في المطبخ. ذهبت إلي غرفتي كان الهاتف مازال ملقي علي السرير فكرت ان ارد الآن واوشكت علي سحب الهاتف، لكني تراجعت تناولت الرواية من علي المكتب ودخلت الشرفة لقرأتها.
 ملت بجزعي على سور الشرفة وضممت يداي ووضعتهما علي حافتها، كانت السماء زرقاء صافية يتوسطها قرص الشمس, لا ينازعه في إحتلال صفحة السماء اي سحب.
 نظرت إلى الشارع كان الاسفلت الأسود مبلل بالماء ربما رشه صبي القهوة وربما كان ذلك سبب الشجار بينه وبين ذلك الرجل الذي لا اعرفه لكني سمعت صوته فقط.
 كانت القهوة علي يميني قد فتحت ابوابها لكن لم تستقبل اي من الزبائن بعد، ورأيت الصبي يجلس علي بابها يستمتع بأشعة الشمس.
 كانت الأعمد الفضية علي جانبي الطريق طويلة تنتهي بمصابيح مازالت ثبث ضوءها البرتقالي الذي يضيع في ضوء الشمس.
 جلست علي كرسي من الخيزران في ركن الشرفة ومددت قدماي إلي الأمام، امسكت بالرواية وحاولت ان اقرأ.
 لم اقرأ سوي بضع سطور ووجدت اسمها يزاحم الكلمات، وصورتها تتشكل في الفراغ أمامي, حاولت ان اطردها من ذهني واستكمل الرواية, لكني لم استطع.
 تركت القراءة ليجرفني طوفان من الذكريات.
تذكرت ذلك اليوم الذي ذهبنا فيها إلي السينما، يوم امسكت يدها لأول مرة، اعتصرتها ضممتها إلي صدري ورسمت قبلة رقيقة عليها، يومها احمر وجهها من الخجل، لكنها لم تعقب واكملنا الفيلم وبعد انتهاء الفيلم دعوتها لنأكل شيئًا لكنها رفضت ظننت اني اغضبتها.
 ودعتها وذهبت إلي منزلي لأجد رسالة  منها"شكراً علي ذلك اليوم، لم اشعر بتلك السعادة من قبل" كانت فرحتي وسعادتي بتلك الرسالة اكثر من سعادتي في السينما او لحظة قبلت يديها طرت فرحًا بتلك الرسالة يومها.
تذكرت أيضاً ذلك اليوم الذي فطرنا فيه سوياً، لم تكن تحب الفول فاكلنا الطعمية سوياً في إحدي الحدائق، وكانت قطة صغيرة تحوم حولنا وتمؤ طلبًا  لقطعة من الخبز، لم أكن أعرف قبل ذلك انها تخاف من القطط، رأيت الفزع يقفز من عينيها وكانت علي وشك البكاء، همت بالوقف لكني مسكت ذراعها، اجلستها ثانية احطت ذراعي بكتفها وملست علي ذراعها، ولوحت بقدمي في الهواء ففرت القطة بعد ان يأست من ان نمن عليها بقطعة خبز. تذكرت يوم  كنا في طريقنا إلي المترو بعد رحلة شاقة قضينها في شراء بعض الملابس, واثناء عبرونا كوبري قصر النيل انهمرت علينا الامطلر، كان الكوبري خالياً من المارة، لم يكن هناك غير بعض السيارات تسير مسرعة في كلا الاتجاهين، طلبت مني التوقف، توقفنا علي الكوبري نتابع تساقط الأمطار في النيل، كانت قطرة المطر ما إن تلمس صفحة النهر الفضية حتي تكون دوائر مركزها تلك القطرة, يومها همست في اذني وقالت "احبك" ضغط علي يديها وقلت "وانا ايضًا."

 كان اللون الازرق للسماء قد اختفي خلف اللون الرمادي للسحب المشبعة بالمياه, ابتلت ملابسنا واشتد هطول الأمطار, فجرينا علي الكوبري فإتجاه محطة المترو, وما إن دخلنها حتي جلسنا نضحك من سخفة وطفولة ما فعلنا.
توقفت عن التذكر والذكريات, نهضت من علي الكرسي, بدون ان افكر وجدت نفسي امسك الهاتف وقد ارسلت لها رسالة من كلمة واحده..
"افتقدك"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كلمات تصميم بلوجرام © 2014